الحياد: حل حقيقي أم مشروع يحضّر ؟
لم يكن طرح الحياد فكرة جديدة على لبنان، ولطالما طرح في العديد من المناسبات وعلى منابر معروفة، ليس حبًا بالوطن إنّما لغاية في نفس يعقوب. ولعلّ آخرها في عام ٢٠١٢ اي بعد سنة واحدة على الحرب السورية تحت مسمّى ” النّأي بالنفس” ويبدو اليوم أن هنالك من يحاول إعادة بلورتها من جديد وطرحها بصيغة أوسع. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا نَفَع النّأي بالنفس لبنان وهل كان الخيار المناسب ؟ وبالإجابة عليه نكون قد أجرينا مقاربة بسيطة وعن تجربة سابقة لنرى اذا كان الحياد هو فعلًا حل للبنان أم أن ثمَّة ما يحضّر في المطابخ الخارجية على نار داخلية.
أولًا، لست بصدد الدفاع عن النظام السوري ، ولكن واهم من يصدّق أن ما حدث عام ٢٠١١ في سوريا هو ثورة او حلقة جديدة من مسلسل ” الربيع العربي “، فالخنادق المحضّرة والخلايا النائمة أقلّها خيرُ دليل على وجود أيدٍ خفيّة. ما كان يحاك لسوريا هو مشروع كبير وخطير بدايته سوريا ونهايته ليست بمِسك ،اذ مازلنا نعيش تداعياته حتى اليوم رغم فشل او إفشال المشروع بعد عشر سنوات من الحرب. فيجب أن تستشعر الخطر على دارك حين تشتعل دار جارك فلا تواجه النيران بالنأي بالنفس.
ارتبط لبنان وسوريا ارتباطًا وثيقًا في الجغرافيا والتاريخ والثقافة والإقتصاد … فإذا تأثرت أحد الأركان في أي من الدولتين انعكست على الأخرى. فكانت الجغرافيا هي أول الغيث، بحيث أن المنبع الإرهابي في سوريا سيمتد إلى لبنان ليصب في البحر المتوسط وعلى السواحل اللبنانية، فكان لبنان تحت المجهر ووُضِعَ مرفأ طرابلس نصب عين المجموعات الإرهابية، وهنا يُدَق أول مسمار في نعش لبنان الإقتصادي التجاري، والذي يتبعه خنق لبنان عبر إقفال المنفذ البرّي الوحيد. فأين النّفع على لبنان من الشعارات المتخاذلة ؟
شهد لبنان في تلك الفترة عمليات ارهابية عديدة وارتقى العديد من الشهداء الأبرياء، أما الأضرار المادية فلا تذكر أمام قداسة الدم. غاب الإستقرار الأمني عن لبنان علمًا أن المجموعات الإرهابية لم تظهر بعد بشكل علني في لبنان ، فكان الآتي أسوء من الدمار والخراب واغتصاب النساء الذي ستتسببه المجموعات المسلحة تحت مسمى زورًا بالدولة الإسلامية اذا لم يكن هناك درعٌ حصين. وعلى الهامش لا بد الحديث عن أن هذا النوع المقدّم من المرتزقة قد أُلبِس الثوب الديني ، بغية تشويه الدين الإسلامي ( بحيث هذا ما كانوا يدّعوه ) وإعطاء صورة نمطية للشعوب الغربية أن هذا هو الإسلام، القتل والتنكيل والإغتصاب والخراب.
كل المعطيات أشارت إلى أن لبنان في خطر فالعدو التكفيري على الحدود مسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي السورية. فكان التدخّل الإستباقي في سوريا حاجة ملحّة، في وسط الضجيج الحكومي اللبناني بنشاز النأي بالنفس والأبواق الإعلامية المأجورة.
بعد عرض موجز حول مشهد لبنان في ظل النأي بالنفس، نأتي إلى أسطوانة أيامنا هذه وهي الحياد، هل سيكون حالنا أفضل بالحياد ؟! ماذا عن العدو الصهيوني الذي يستبيح مياهنا وسماءنا ويستخدمها لشنّ عدوان على سوريا ؟ هل الحياد سيلزمه بتطبيق قرار 1701 ويعيد لنا أرضنا المسلوبة ؟ وتزامنًا مع المناداة بالحياد، شهدت مياه لبنان كارثة بيئية نتيجة تسرّب نفطي “اسرائيلي” فلم نسمع إستنكارًا على الأقل. يهدف البعض من خلال طرح الحياد إلى تحجيم مكونات لبنانية بعد أن شعر البعض بفائض القوّة لديها وباتت تهدد مصالحهم وأجنداتهم. إذا رضينا بالحياد فهل العدو سيرضاه لنا ؟ نتحدث عن الحياد وننتظر دول خارجية لتأليف حكومة، نتحدث عن الحياد وسفراء الدول الكبرى تتدخل بشؤوننا الداخلية، نتحدث عن الحياد ووزراء ونواب لبنانيون يتعرضون لعقوبات خارجية، فعن أي حياد نتحدث؟
مصطلحات عديدة تضاف إلى المعجم السياسي يومًا بعد يوم يحمل بعضها وجهان، فيختلف الشكل الحرفي عن المضمون. فلو كان طريق الحياد آمن وغير مفخّخ لسلكناه منذ زمن؛ فعنوان الحياد وتوقيت طرحه في ظروف الأزمة لبنانية ، لا يكون الهدف منه تبنّيه كحل، إنما تصويب السهام على فئة معينة وتحميلها وزر الأزمة لوحدها دون غيرها بالإضافة إلى العنوان الأكبر وهو استهداف المقاومة، اذ أصبحت هذه الكلمة السادسية الأحرف تَدبُّ الذّعر في العالم وتشكّل عقبة أمام مشاريعهم الإستعمارية والسيطرة على العالم وإذلال الشعوب، وتستهدف أمن “إسرائيل”. أخيرا وليس آخرا، لا حياد في معركة الحق والباطل ولو كان أهل الباطل أكثر، فهم مجرد أدوات خارجية وبمثابة كرت تنتهي صلاحيته حين يشاء مشغّله، فاعقلوا واتّعظوا.
علي محسن مرتضى